السلام عليكم >> أيها الإخوة . لقد طال بحثي عن إجابة لهذا السؤال , حتى وجدت خيطا بأحد المحاضرات . فرجاء العلم بأن هذا اجتهاد شخصي مني , لا أجزم بصحته . إنما هي محاولة بطرح إجابتي على قرائح أهل الفهم , وأهلا بالنقد والتصحيح . >> نزل القرءان على رسول الله في مرحلتين من النبوة , المرحلة المكية والمرحلة المدنية . أما المكية فلأن المسلمون عاشوها تحت وطأة الاضطهاد والتعذيب , فلم يتنزل عليهم القرءان مكلفا إياهم بتكاليف القيام بالدولة , بديهيا لعدم استطاعتهم الإفلات من التعذيب القسري والصد عن سبيل الله , فضلا عن تكليفهم بإقامة دولة بأعبائها والدفاع عنها . فالتزم القرءان الجانب القصصي من الأمم السابقة تعزيةً للمسلمين عما هم فيه , وتسرية لهم ببشرى النصر , وتثبيتهم بمشاهد الجنة والنار وترسيخ العقيدة في الله في قلوبهم والصبر على كل شئ لقاء الإيمان به سبحانه .>> تلى ذلك أن دعى الأنصار رسول الله للهجرة إلى المدينة , على أن يمكنوه فيها وأن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم . عندها شرعت السور تتنزل عليهم مهيئة لهم بناء الدولة الوليدة ومرشدة لهم في خطاهم هذه . كان من هذه السور , فسطاط القرءان وسنامه , سورة البقرة الكريمة الماجدة . >> وهنا بدأت التكليفات للمسلمين ببناء دولتهم . ولكن , ولما كان المسلمون آنذاك بنو أمة أمية أبعد ما تكون الأمم عن التنظيم والحضارة (ولنا في المقارنة بينها وبين جارتيها من فرس وروم كانتا قد بلغتا في التنظيم الحضاري شأواً عظيما , وجه في الاستدلال على ما نقول) كان الوحي مرشدا وهاديا لهم في تنظيم دولتهم الرشيدة , مثلما كان هاديا لنوح في بناء سفينته (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا) , ومعلما لداود في صناعة لأمته (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم) . كما يظهر من هذا أيضاً كيف أن الدين في الإسلام هو عين الدنيا , وأن الدنيا بشتى مسائلها هي الموضوع الجوهري للدين . فما الآخرة إلا الحساب والجزاء وليس ثَمَّ عمل . >> فكيف رشَّدَ التشريع في سورة البقرة حياة هذه الأمة التي خرجت لتوها من نير القهر والتعذيب والتشريد , وسبق ذلك أن خرجت من نير ظلمة الجاهلية بعماها والكفر بظلمته ؟. وكيف رشدت السورة حياة قوم ما أُنشئت فيهم يوما ما أكاديمية فكرية , ولا عُرف في القوم قبلها مفكر ولا فيلسوف كما بالأمم السابقة من يونان ورومان وصين ومصـريين وبابليين وغيرهم ؟ . وما ارتباط هذا كله بالقصة التي استُقيَ اسم السورة منها ؟ .>> بدأت السورة ببيان منهاج الأمة الرشيدة , قال تعالى "الذين يؤمنون بالغيب" . والغيب الإسلامي والغيب القرآني ليسا غيبين مطلقين , وإنما هما غيبان نسبيان لهما شواهد يُستهدل منها عليهما . والله هو العليم الحكيم , فهو الذي خلق , وهو الذي قدَّر فهدى , وهو الذي خلق كل شئ فقدره تقديرا "والشمس والقمر بحسبان" . ولما كان لله الخلق والأمر , كان قوله تعالى "فما يكذبك بعد بالدين , أليس الله بأحكم الحاكمين" . فليأمر أحكم الحاكمين بما شاء , وليطعه عبيده فيما أمر , ففي إطاعته المغنم والمثوبة . كانت الأمة المسلمة في نشأة دولتها جاهلة بتنظيمات الحضارة , فأتتها أوامر الله مرشدة وهادية . إلا أن السورة ابتدأت قبل تشريعها أوامر ونواهي بناء الحضارة الجديدة , ببيان واجبات ومنهيات وسبل تلقي هذه التشريعات . فأفهمت المسلمين أن عالِم الغيب , ومقدِّرِ المقادير هو الذي سيشرع لهم من الآن فصاعدا . فليطيعوه حتى فيما جل عن فهمهم في المرحلة التي هـم فيها , فالمستقبل غيب يُقدِّرهُ هو وحده , ويُشرع له وحده سبحانه . فأول موجبات هذا التشريع الحضاري , إيمان بغيب . ثم تسوق السورة لهم حديث الله إلى ملائكته , فتريهم كيف أن وجود الإنسان مؤسس ومنذ اللحظة الأولى على العلم "وعلم آدم الأسماء كلها " لتطمئن قلوبهم أن الله تعالى عن العبث واللعب . ثم تُريهم تسليم الملائكة لعلم الله الإلهي إذ تقول "سبحانك , لا علم لنا إلا ما علمتنا" , داعية إياهم بذلك للاقتداء بالملائكة . مبينة لهم كيف بعد ذلك تبين للملائكة من فضل الله العلم بحكمة الله فيما قضى وأمر , إذ عُرضت عليهم المسميات فلم يعرفوها فعرِفها المخلوق الذي سبق واعترضوا على استخلافه , وعَـرَّفهم بها . ليسجدوا له بعد ذلك , بعد أن أراهم الله حكمته وعرفهم بها . فالصبر مع اليقين هما آية كل فلاح من أوامر الله ونواهيه . >> أول مناهج بناء الحضارة الإسلامية إذاً , إيمان بغيب , واستقاء العلم من أوامر الله ونواهيه وإن غابت الحكمة على هؤلاء أو هؤلاء ساعتئذ . >> ونعود لنتكلم عن سبب تسمية السورة , رغم عديد القصص الذي ورد بها , باسم هذه القصة دون غيرها , قصة بني إسرائيل مع البقرة .>> بالمدينة ... آن أوان إقامة الدولة , وآن أوان نزول تشريعاتها . فيا أيتها الأمة التي تحبو في تشييد دعائم الحضارة المتفردة , حضارة الإسلام . اسمعي وأطيعي أوامر ربك . ولتأخذي سلفاً ومثلا من تجربة أمة سابقة ستقابلونها في المدينة يا أبناء الحضارة الوليدة . أمة بني إسرائيل التي تراجعت بعد أن اختار لها الله الريادة . >> هذه الأمة , لم تستجب لله حق الاستجابة رغم أن ذلك كان ليصلحها في الدنيا ويكتب لها الفلاح في الآخرة . والقصة التي اختيرت لتكون علما على السورة , بيان لذلك . أتت القصة في جزئين متتالين , أُخرت الإجابة فيها وقُدم سؤالها اختبارا لقاعدة الإيمان بالغيب والتسليم . أتى بنو إسرائيل وجيه الله بجثمان يتدافعون تهمة قتله بينهم , فأُمروا بذبح بقرة ...! فما كان بالقلوب التي تظاهرت بالإيمان عن غير حق , إلا أن أخرج الله منها ما كانت تكتمه . فصرحت بالسؤال المستهزئ لوجيه الله "أتتخذنا هزوا" . فلما نفى نبي الله تهمة الجهل عن نفسه , شرع بنو إسرائيل يدورون ويحورون حول أمر الله , وانشغلوا بأشياء ليست مما كُلفوا به . أمرهم وجيه الله بذبح بقرةٍ ولم يُزد , فأكثروا من السؤال عن هيئتها ولونها وكينونتها . شددوا فشدد الله عليهم كما قال بن عباس . كان ذلك الجزء الأول من القصة , أما جزءها الثاني , "فقلنا اضربوه ببعضها " . لم يقل وجيه الله ذلك منذ البداية , لم يقل لهم أن وراء الأمر بذبحها حكمة , وأن عليهم بذبح بقرة ليفعلوا كذا وكذا . لا . بل أبلغهم فقط بوجوب ذلك . وللإرتباط بين فواتح السورة (الذين يؤمنون بالغيب) مرورا بحديث الملائكة السابق وانتهاءً بهذه القصة , جميل ربط وتنظيم من القرءان الكريم . فسبحان من أوحى , وسبحان من شرع . >> ذاك هو الأمر إذا . نزلت السورة (سورة البقرة) بالمدينة يوم أذِن الله بقيام حضارة جديدة . ولأنه هو الخالق وحده , فهو إذا صاحب التشريع وحده . فيا أيتها الأمة الجديدة , في بداية تشييدكم لحضارة لم يسبق وأن توافرت بأيديكم مقوماتها , اسمعوا أوامر الله وإن خفت حكمتها عليكم , ولاتعاندوا رسولكم فيما يأمركم به من أوامر تشييد هذه الحضارة . وتعلَّموا من خيبة الأمة التي ستقابلونها وتعاشرونها في المدينة . فهي أمة عاندت أوامر الله واستهزأت ببلاغات رسله ولم تُسلس له القياد . وقصتهم مع البقرة خير شاهد . افتُتحت السورة المجيدة والتي غرضها الأساسي "مقومات الاستخلاف في الأرض" , ببيان المقوم الأول للنجاح , وهو استقاء الأوامر من الله , بإيمانٍ بغيب . ثم اختُتمت بقوله تعالى :>>
"وقالوا سمعنا وأطعنا" , لا كما قالت بنو إسرائيل لوجيه الله " سمعنا وعصينا " . فإياكم وأن تفعلوا مثلهم .>>
> > > > > > والحمد لله أولا وآخرا .... >> > > > > > >
03.10.2013
01:14:54
"وقالوا سمعنا وأطعنا" , لا كما قالت بنو إسرائيل لوجيه الله " سمعنا وعصينا " . فإياكم وأن تفعلوا مثلهم .>>
> > > > > > والحمد لله أولا وآخرا .... >> > > > > > >
03.10.2013
01:14:54
السبت يناير 31, 2015 11:12 pm من طرف ابو يوسف الروحاني
» كتاب علم الهيئة لابن سينا
السبت يناير 31, 2015 7:08 pm من طرف ابو يوسف الروحاني
» برنامج الوفق الثلاثي الجديد
الأربعاء نوفمبر 26, 2014 5:23 pm من طرف علاءالخزرجي11
» برنامج الهاوي الفلكي
الأربعاء نوفمبر 26, 2014 5:09 pm من طرف علاءالخزرجي11
» كتـــاب الأوفــــــاق للغزالي
الأربعاء نوفمبر 26, 2014 4:03 pm من طرف علاءالخزرجي11
» الجفر الجامع
الأربعاء نوفمبر 26, 2014 4:00 pm من طرف علاءالخزرجي11
» حمل الكتاب الفلكي الانواء ومنازل القمر
الأربعاء نوفمبر 26, 2014 3:57 pm من طرف علاءالخزرجي11
» كشف منامى عن الدفينة والخبيئه
الأربعاء نوفمبر 26, 2014 3:44 pm من طرف علاءالخزرجي11
» ارسال للمحبه والتهييج
الأربعاء نوفمبر 26, 2014 2:42 pm من طرف ابو يوسف الروحاني